اعتدنا أن نرى الحب في القالب الرومانسي الذي يهيم فيه الحبيب حبا في
محبوبه فيفقد كل الطاقات الدافعة إلى النوم فيكثر من السهر وإلى الطعام فلا يشعر
بالجوع وإلى التفكير في كل مناحي الحياة فلا يفكر سوى بمن يحب ويتهاوى سكرا
بالحبيب وتظل حواسه متعلقة بمن يحب فلا يريد ان يتكلم ولا يسمع ولا يصف إلا من يحب
ويذهب ليبحث في الشعر والفنون عن أفضل ما قيل وما حدث في مخيلة العشاق وعن الملابس
والموضة فيرتدي أفضل ما يمكن ويبحث عن الورد فيختار لكل مناسبة لون..هذا الحب هو
حب حقيقي ورائع وغير مؤذٍ ولكنه غير مكتمل النضوج لأن النفس فيه تستطيع التمرد على
العقل فتقوده إلى حيث ترغب وتسيطر عليه ولذلك فإن مرآة الحب عمياء هو أمر حقيقي
لأن الحبيب لا يرى غير محبوبه ومن ثم فدون أن يدري أحدهما أو كليهما أنهما يظلمان
من حولهما ويظلمان أنفسهما.
يظل ميراث الحب الشعوري متعلقا بالقلب رغم مرارات الواقع التي تصدم
الحبيبين ومع قصور التعليم والفن في تعليم الناس الحب بمسئولياته وواجباته تترسخ
العقدة العاطفية لدى الرجل والمرأة فيظنان أن الحب لا بد وأن يكون عشقاً ووجداً
وسهراً وسكراً وغياب عن العقل فإذا قصر أحدهما تجاه الآخر بعد شهر العسل من الزواج
عندها تبدأ الصدمات العاطفية لأنها كانت مبنية على مشاعر كانت فيها النفس هي
القائد في العمر الزمني لكل حبيب ومحبوب.
يمر الرجل والمرأة بتجارب جميلة وصعبة ومريرة وكل هذا لأنه يجب أن يتشكل مع
الواقع ومتطلباته وعندما ينضج الإنسان يدرك أن التضحيات أسمى من تلبية الغرائز على
أهميتها وأن الحب شعور وتقدير وتضحيات وبناء وأمل وأمان نفسي تجاه من نحب وأن لكل
عمر جماله وأن الزمن يبرز أجمل أو أسوأ ما فينا فعندما تقصر في حق محبوبك عندما
يمرض أو تتغير ملامحه أو عندما يفتقر فهذا دليل على فقر مشاعرك وأنك محب كاذب
وعندما تقصر في مسئولياتك فأنت كاذب وعندما لا تريد أن تعمل وتجلس من أجل راحتك
وغرائزك فأنت كاذب وواهم وأن تربيتك العاطفية في حاجة إلى إعادة صقل وتدريب مختلف
كي تتخلص من شوائبك.
الحب الحقيقي لا يمنعك أبدا من كل فعل جميل بل هو الفعل الجميل نفسه فكن
جميلا في كلامك وطريقة خطابك متحضر في تعاملك صادقا صدوقا لأن الكلمات الصادقة
والإحساس الصادق لا يذبلان كالورد رغم جماله،وأن التضحيات جزء أصيل من منظومة الحب
الإنساني.
خالد إبراهيم أبو العيمة