كان أينشتاين يخشى من دور البريطانيين فى ملف التعامل بين اليهود والعرب فى فلسطين لأنه لم ينس للبريطانيين دورهم فى زرع بذور الفتنة بين المسلمين والهندوس فى الهند ولذلك كان يحذر اليهود من اعتماد نهج العنف وقد وجدت رسالة بين أوراق أينشتاين للزعيم الهندي الراحل غاندي قال فيها : أتفهم رغبة اليهودي فى العودة إلى بلاد أجداده وهو يستطيع أن يفعل ذلك لكن من دون حرب مع الإنجليز وأيضا من دون حرب يهودية،فى هذه الحالة يستطيع اليهودي العائد إلى فلسطين أن يعيش فى سلام ووئام تامين مع العرب وسيتضح لنا تأثر أينشتاين بموقف غاندي فيما يتعلق بالوطن اليهودى،لذلك كان أينشتاين يحذر دائما من التعصب القومي فى صفوف اليهود ويرى أنه خطر عظيم .
كانت توقعات أينشتاين أبعد ما تكون فى أن يتصادم مشروع الوطن اليهودي فى فلسطين مع مصالح ومشاعر الفلسطينيين والعرب القومية لأنه كان يرى أن الوطن اليهودي هو مشروع لتحرير اليهود وليس لقهر الفلسطينيين والعداء مع العرب .
كان أينشتاين يرى أن أرض فلسطين ليست هي الأرض التي يقطنها مجموعة من المتنافسين عرقيا واقتصاديا مثلما يحدث فى أوروبا لذلك كان يرى أن الفلسطينيين واليهود هم أقرب نسبا من الوجهة العرقية مما يعنى بوجهة نظره إمكانية التعايش في إطار من التفاعل الثقافي بين الشعبين وأنه لن يكون هناك صراع على ملكية الأرض لأن اليهود لن يتواجدوا إلا على أرض اشتروها بالمال وهذا يعنى أيضا أن الأرض التي أقيمت عليها المستوطنات هي أرض تم شراؤها وليس مصادرتها وقد ذكر فى كلمة له فى نهاية العشرينات : لا نريد مصادرة ممتلكات أو انتهاك حقوق .
كانت مخيلة أينشتاين ان العلاقة بين الفلسطينيين واليهود سوف تكون علاقة تكامل على المستوى الاقتصادي من حيث العمل والإنتاج والتفاعل الثقافي ولأنه توجد علاقة عرقية بين اليهود والعرب فإن اليهود سيكونون أكثر ودا وتعاونا مع العرب وسوف يتم تشكيل نقابات عمالية مشتركة وأن عملية استيطان اليهود سوف ترفع من مستوى الوطن الفلسطيني اليهودي المشترك في كافة المجالات الاقتصادية والإنتاجية والصحية والثقافية.
كتب أينشتاين لا أستطيع أن أتصور أن فى إمكاننا كيهود أن نقوم بأي عمل يمكن أن يلحق الأذى بالفلسطينيين.
حذر أينشتاين القيادة الإسرائيلية مرارا وتكرارا من اعتبار فلسطين ملجأ لكل يهود العالم لأن ذلك يعنى قيام وطن يهودي على كامل أرض فلسطين وعندما حدثت الانتفاضة فى أغسطس 1929 على الإنجليز اصطدم أينشتاين ورؤيته المثالية المبسطة فأرسل رسالة إلى حاييم وايزمان في 25 نوفمبر 1929 جاء فيها: إذا عجزنا عن ايجاد طريقة للتعاون المخلص والحوار والجوار الصادق مع العرب فإننا لا نكون قد تعلمنا شيئا من معاناة ألفى سنة وعليه فإن كل ما سيحصل لنا تبعا لذلك سيكون مستحقا ومن ثم فقد طالب وايزمان أينشتاين بالتوقف عن انتقاداته لعملية التفرقة التي كانت تتم بين الفلسطينيين واليهود .
وجه أينشتاين رسالة إلى الشعب العربي يطالبه بأن يظهر تفهما أكبر لحاجة اليهود إلى اعادة بناء وطنهم فى مركزه القديم القدس مؤكدا قناعته بأن النهضة العربية القائمة على المساحات الواسعة التي يسكنها العرب ستحقق مكاسب كبيرة من تعاطف اليهود مع العرب وأنه (أينشتاين) يرحب بحوار صريح وحر لمناقشة امكانية حدوث ذلك لأنه يعتقد أن الشعبين الساميين العظيمين قد أسهما كل على طريقته بإثراء حضارة الغرب بالقيم الخالدة وأن هذه الإسهامات تؤهل الشعب العربي واليهودي لمستقبل عظيم مشترك .
قدم أينشتاين اقتراحا لتشكيل مجلس سرى من ثمانية أعضاء أربعة من العرب وأربعة من اليهود يمثلون الشعبين ويعملون على مصالحهم وتحصينهم من مخططات الانتداب البريطاني ونص الإقتراح على أن يكون الأعضاء الثمانية مستقلين عن الأحزاب السياسية كافة وأن يكون تمثيل الأعضاء من الطرفين يتألف من طبيب ومحامي ورجل دين وعامل وأن يتم انتخابهم من مجالسهم واتحاداتهم .
فى عام 1930 وجه أينشتاين رسالة إلى المنظمة الصهيونية العالمية محذرا إياها بأنه سوف يوقف الدعم لهم إذا لم يتوصلوا إلى سلام مع العرب ويؤكد على أن الشعبين العربي واليهودي سيعودان إلى التلاقي على الرغم من أحداث العنف التي حدثت وهى أحداث ما كانت لتحصل لولا سياسة التغريب بين كل من الشعبين عن الأخر.(وهو تلميح يقصد به البريطانيين الذين يسمحون بنشر الدعايات المسمومة وخلق الأجواء المتوترة).
كان أينشتاين فى عداد الرافضين لمشروع التقسيم الذى أصدرته لجنة Peel الملكية البريطانية فى يوليو عام 1937 الذى يقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين وقد حسم بن جوريون الانقسام الصهيوني حول هذا القرار بقبوله تكتيكيا ومرحليا تاركا أمر رفضه للعرب أما أينشتاين فقد كتب مقالة انتقد فيها رعاية بريطانيا لمشروع التقسيم واقامة دولة يهودية مستقلة وطالب بإقامة دولة يهودية فلسطينية تجمع ولا تفرق قائلا: إن المطلوب هو دولة واحدة لا دولتان،وأننى أفضل التوصل إلى اتفاق معقول مع العرب والعيش بسلام معهم على أن أعيش لأشهد ولادة دولة يهودية .
يبدو لنا نظريا على الأقل أن أينشتاين أقرب ما يكون لمفهوم صديقه غاندي للصهيونية الروحية حيث يقول غاندي : إن الصهيونية الحقيقية المتوطنة فى قلوب اليهود هي هدف يستحق أن يبذل فيه اليهودي حياته،إن صهيونية كهذه هي موطن الله،لكن الصهيونية الروحية لا يحدها وطن،ولا تحتاج إلى وطن محدد،فالأوطان لا تتسع للروح .
لكن أينشتاين يختلف عن غاندي الذى يرى أن القدس الحقيقية هي قدس روحية والصهيونية من الممكن أن يحققها اليهودي فى أي مكان من العالم،أما أينشتاين فيرى فى أنها لا تتحقق إلا فى دولة يهودية فلسطينية تقوم على أرض الميعاد.فى حين أن غاندي كان جازما فى اعتقاده أن فلسطين هي للفلسطينيين العرب،أما أينشتاين يرى أنها تتسع للشعبين وأنها أرض الأجداد العبريين،كما هي أرض الفلسطينيين .
كان إيمان أينشتاين بالمثل الصهيونية الروحية العالمية مشوبا بقناعة أنه لا يمكن إقامة وطن لليهود فى أوربا وكانت أفضل خياراته الفكرية لحل سلمى للصراع الغربي الإسرائيلي هو إنشاء حكومة عربية يهودية فى فلسطين تمارس عملها فى عهدة الأمم المتحدة،وتحت إشرافها المباشر،وليس تحت وصاية أي دولة منفردة،حتى ولو كانت امريكا،والتوصل إلى صياغة دستور يكفل حق الشعبين بالمشاركة فى القرارات،ويمنع كل منهما من استبعاد الآخر عن طريق التصويت والإحتكام إلى الأكثرية النسبية،حيث كان إقتراح أينشتاين الدعوة إلى إقامة ما يشبه فيدرالية الطوائف المتحدة،وقد قدم أينشتاين مع اقتراحه بدعوة لليهود بترك القومية الصبيانية المستوردة من أوربا التي يؤججها محترفو السياسة،ثم خاطب اليهود عام 1938 أثناء الثورة الفلسطينية ضد الإنجليز والصهاينة ليذكرهم بأن الدين اليهودي والدولة اليهودية القومية يتعارضان فى المبدأ والأساس،ذلك لأن اليهودية ديانة كونية لا قومية،قائلا:إن معرفتي بالأسس الجوهرية للديانة اليهودية تجعلني أرفض فكرة الدولة المتصفة بالحدود والجيش والسلطة الزمنية.أخشى أن يلحق اليهود الضرر بأنفسهم نتيجة تنامى القومية الضيقة بين صفوفنا،وهى التي حاربناها بقوة قبل أن تكون لنا دولة،إن العودة إلى الدولة هي ارتداد عن روحنة مجتمعنا كما ارتجى منه الأنبياء .
فى عام 1946 عاد أينشتاين للتأكيد أن فكرة دولة لليهود لا تتوافق مع رغبات قلبه وقال إنني لا أفهم لماذا نحن بحاجة إلى دولة كهذه ،إن الدولة القومية هي فكرة رديئة،وقد عارضتها على الدوام،إننا نقلد أوربا،والذى دمر أوربا فى النهاية هو القومية.
كانت رغبة أينشتاين فى توطين اليهود الذين تضيق بهم أوربا فى وطن فى فلسطين ولكنه لا يريد فلسطين يهودية كما هي انجلترا إنجليزية.
حاول حاييم وايزمان اقناع أينشتاين بحق اليهود الإلهي فى فلسطين فرد أينشتاين بالقول : إن الله الذى أعطى فلسطين لليهود هو الذى أسكن الفلسطينيين فيها.
بعث أينشتاين برسالة إلى جريدة نيويورك تايمز وذلك قبل شهر من حرب عام 1948 بين العرب وإسرائيل قال فيها : إن العرب واليهود المتطرفين يدفعون فلسطين بتهورهم إلى حرب عقيمة،إننا نشعر أن من واجبنا الإعلان بقوة أننا لا نجيز الإرهاب والتعصب القومى،سواء مارسه اليهود أو العرب،إن نصرا حاسما يحققه أحد الفريقين سيولد مرارة محبطة،وإننا نتوجه إلى يهود هذه البلاد (يقصد أمريكا) وإلى يهود فلسطين بألا يسلكوا سلوك اليائس أو يبحثوا عن بطولات زائفة تنجم عنها ممارسات إنتحارية .
من المنطقي أن نستنتج أن أينشتاين بهذا الطرح سيكون من أشد المعارضين لحرب 1948 وتداعياتها المناقضة لكل المثل التي يؤمن بها وأولها عدم جواز إحتلال الأرض بالقوة.
كان مفاجئا رغم منظومة أينشتاين القيمية أن يعلن عن سعادته بإعلان قيام دولة لليهود على أرض فلسطين وهى أرض مغتصبة بالقوة،إذ لم تكن نسبة الأرض التي اشترتها الوكالة اليهودية تزيد على 6 % من مجموع الأراضي الفلسطينية،وقد اكتفى أينشتاين بإعلان أسفه لأن الدولة شقت طريقها إلى الوجود بطريق العنف ولأن العلاقات مع العرب لا تتوافق مع المبادئ الأخلاقية اليهودية،كما أدان أعمال العنف التي حدثت من اليهود تجاه الفلسطينيين فى مجزرة دير ياسين.
فى عام 1949 منحت الجامعة العبرية أينشتاين الدكتوراه الفخرية فى حينها ألقى خطابا يلقى فيه بمسئولية الحرب على البريطانيين،مؤكدا أن اليهود والعرب كانا يرغبان فى السلام المبنى على التفاهم المشترك،بدلا من الإحتكام إلى العنف لولا الضغوط الخارجية فى إشارة إلى بريطانيا،وعبر أينشتاين عن خشيته من أن تؤدى المواجهة المستمرة بين العرب واليهود إلى أن يعتمد اليهود على قوى دولية خارجية تجعلهم تابعين بدلا من أن يكونوا مستقلين،وجدد أينشتاين الأمل فى أن يعاد التعاون مرة أخرى بين العرب واليهود على الثقة والإحترام لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لإستقلال الشعبين الحقيقي عن العالم الخارجي.
كتب أينشتاين فى عام 1952 رسالة إلى أبا إبان قال فيها : إن الموقف الذى نتخذه من الأقلية العربية سيكون الإمتحان الحقيقي لمقاييسنا الأخلاقية كشعب.وبالطبع حديثه عن (أقلية عربية) يعنى به التسليم بشرعية الدولة اليهودية التي قامت على حساب الغالبية العربية.
من المؤكد أن ما حدث من خفض لسقف المثل لدى أينشتاين كان نتيجة التقاطع الذى حدث بين هويته اليهودية الثقافية مع تاريخ التنافي والإستعباد المتبادل والعنف الذى كانت الأكثرية فى الغرب قادرة على ممارسته ضد الأقلية اليهودية مثال تجربة اليهود مع النازية،وربما كان هذا هو السبب عن تغاضيه عن ولادة الدولة اليهودية والذى نتج بصورة دموية ضد العرب،ومع ذلك فإن أينشتاين رغم تسليمه بنتائج حرب 1948 إلا أنه لم يسقط مصالح الفلسطينيين فى المطلق من حساباته واستمر يصف الصراع على فلسطين بأنه صراع بين حقين،وظل إيمانه بين إيمان بوطن يهودي فى فلسطين،وحق الفلسطينيين فى الوطن،وبين خوف على اليهود من الحروب وخوف عليهم منهم .
قبل وفاة أينشتاين عام 1955 سئل أينشتاين: لماذا يستطيع العلماء أن يكتشفوا الذرات ولا يستطيعون السيطرة عليها ؟
أجاب : لأن السياسة أصعب من الفيزياء.
دخل أينشتاين السياسة من باب الدين والفلسفة،وإننى أستنتج أن الدين مع الفكر والعلم هم الأساس الحقيقي الذى يحمى البشرية من التعصب وأن التعصب لا يحمى الحقوق ولا يحمى المجتمعات مهما طال أمد الإحتلال.
خالد إبراهيم...مدونة سور الأزبكية
http://khaled-ibrahim.blogspot.com
كانت توقعات أينشتاين أبعد ما تكون فى أن يتصادم مشروع الوطن اليهودي فى فلسطين مع مصالح ومشاعر الفلسطينيين والعرب القومية لأنه كان يرى أن الوطن اليهودي هو مشروع لتحرير اليهود وليس لقهر الفلسطينيين والعداء مع العرب .
كان أينشتاين يرى أن أرض فلسطين ليست هي الأرض التي يقطنها مجموعة من المتنافسين عرقيا واقتصاديا مثلما يحدث فى أوروبا لذلك كان يرى أن الفلسطينيين واليهود هم أقرب نسبا من الوجهة العرقية مما يعنى بوجهة نظره إمكانية التعايش في إطار من التفاعل الثقافي بين الشعبين وأنه لن يكون هناك صراع على ملكية الأرض لأن اليهود لن يتواجدوا إلا على أرض اشتروها بالمال وهذا يعنى أيضا أن الأرض التي أقيمت عليها المستوطنات هي أرض تم شراؤها وليس مصادرتها وقد ذكر فى كلمة له فى نهاية العشرينات : لا نريد مصادرة ممتلكات أو انتهاك حقوق .
كانت مخيلة أينشتاين ان العلاقة بين الفلسطينيين واليهود سوف تكون علاقة تكامل على المستوى الاقتصادي من حيث العمل والإنتاج والتفاعل الثقافي ولأنه توجد علاقة عرقية بين اليهود والعرب فإن اليهود سيكونون أكثر ودا وتعاونا مع العرب وسوف يتم تشكيل نقابات عمالية مشتركة وأن عملية استيطان اليهود سوف ترفع من مستوى الوطن الفلسطيني اليهودي المشترك في كافة المجالات الاقتصادية والإنتاجية والصحية والثقافية.
كتب أينشتاين لا أستطيع أن أتصور أن فى إمكاننا كيهود أن نقوم بأي عمل يمكن أن يلحق الأذى بالفلسطينيين.
حذر أينشتاين القيادة الإسرائيلية مرارا وتكرارا من اعتبار فلسطين ملجأ لكل يهود العالم لأن ذلك يعنى قيام وطن يهودي على كامل أرض فلسطين وعندما حدثت الانتفاضة فى أغسطس 1929 على الإنجليز اصطدم أينشتاين ورؤيته المثالية المبسطة فأرسل رسالة إلى حاييم وايزمان في 25 نوفمبر 1929 جاء فيها: إذا عجزنا عن ايجاد طريقة للتعاون المخلص والحوار والجوار الصادق مع العرب فإننا لا نكون قد تعلمنا شيئا من معاناة ألفى سنة وعليه فإن كل ما سيحصل لنا تبعا لذلك سيكون مستحقا ومن ثم فقد طالب وايزمان أينشتاين بالتوقف عن انتقاداته لعملية التفرقة التي كانت تتم بين الفلسطينيين واليهود .
وجه أينشتاين رسالة إلى الشعب العربي يطالبه بأن يظهر تفهما أكبر لحاجة اليهود إلى اعادة بناء وطنهم فى مركزه القديم القدس مؤكدا قناعته بأن النهضة العربية القائمة على المساحات الواسعة التي يسكنها العرب ستحقق مكاسب كبيرة من تعاطف اليهود مع العرب وأنه (أينشتاين) يرحب بحوار صريح وحر لمناقشة امكانية حدوث ذلك لأنه يعتقد أن الشعبين الساميين العظيمين قد أسهما كل على طريقته بإثراء حضارة الغرب بالقيم الخالدة وأن هذه الإسهامات تؤهل الشعب العربي واليهودي لمستقبل عظيم مشترك .
قدم أينشتاين اقتراحا لتشكيل مجلس سرى من ثمانية أعضاء أربعة من العرب وأربعة من اليهود يمثلون الشعبين ويعملون على مصالحهم وتحصينهم من مخططات الانتداب البريطاني ونص الإقتراح على أن يكون الأعضاء الثمانية مستقلين عن الأحزاب السياسية كافة وأن يكون تمثيل الأعضاء من الطرفين يتألف من طبيب ومحامي ورجل دين وعامل وأن يتم انتخابهم من مجالسهم واتحاداتهم .
فى عام 1930 وجه أينشتاين رسالة إلى المنظمة الصهيونية العالمية محذرا إياها بأنه سوف يوقف الدعم لهم إذا لم يتوصلوا إلى سلام مع العرب ويؤكد على أن الشعبين العربي واليهودي سيعودان إلى التلاقي على الرغم من أحداث العنف التي حدثت وهى أحداث ما كانت لتحصل لولا سياسة التغريب بين كل من الشعبين عن الأخر.(وهو تلميح يقصد به البريطانيين الذين يسمحون بنشر الدعايات المسمومة وخلق الأجواء المتوترة).
كان أينشتاين فى عداد الرافضين لمشروع التقسيم الذى أصدرته لجنة Peel الملكية البريطانية فى يوليو عام 1937 الذى يقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين وقد حسم بن جوريون الانقسام الصهيوني حول هذا القرار بقبوله تكتيكيا ومرحليا تاركا أمر رفضه للعرب أما أينشتاين فقد كتب مقالة انتقد فيها رعاية بريطانيا لمشروع التقسيم واقامة دولة يهودية مستقلة وطالب بإقامة دولة يهودية فلسطينية تجمع ولا تفرق قائلا: إن المطلوب هو دولة واحدة لا دولتان،وأننى أفضل التوصل إلى اتفاق معقول مع العرب والعيش بسلام معهم على أن أعيش لأشهد ولادة دولة يهودية .
يبدو لنا نظريا على الأقل أن أينشتاين أقرب ما يكون لمفهوم صديقه غاندي للصهيونية الروحية حيث يقول غاندي : إن الصهيونية الحقيقية المتوطنة فى قلوب اليهود هي هدف يستحق أن يبذل فيه اليهودي حياته،إن صهيونية كهذه هي موطن الله،لكن الصهيونية الروحية لا يحدها وطن،ولا تحتاج إلى وطن محدد،فالأوطان لا تتسع للروح .
لكن أينشتاين يختلف عن غاندي الذى يرى أن القدس الحقيقية هي قدس روحية والصهيونية من الممكن أن يحققها اليهودي فى أي مكان من العالم،أما أينشتاين فيرى فى أنها لا تتحقق إلا فى دولة يهودية فلسطينية تقوم على أرض الميعاد.فى حين أن غاندي كان جازما فى اعتقاده أن فلسطين هي للفلسطينيين العرب،أما أينشتاين يرى أنها تتسع للشعبين وأنها أرض الأجداد العبريين،كما هي أرض الفلسطينيين .
كان إيمان أينشتاين بالمثل الصهيونية الروحية العالمية مشوبا بقناعة أنه لا يمكن إقامة وطن لليهود فى أوربا وكانت أفضل خياراته الفكرية لحل سلمى للصراع الغربي الإسرائيلي هو إنشاء حكومة عربية يهودية فى فلسطين تمارس عملها فى عهدة الأمم المتحدة،وتحت إشرافها المباشر،وليس تحت وصاية أي دولة منفردة،حتى ولو كانت امريكا،والتوصل إلى صياغة دستور يكفل حق الشعبين بالمشاركة فى القرارات،ويمنع كل منهما من استبعاد الآخر عن طريق التصويت والإحتكام إلى الأكثرية النسبية،حيث كان إقتراح أينشتاين الدعوة إلى إقامة ما يشبه فيدرالية الطوائف المتحدة،وقد قدم أينشتاين مع اقتراحه بدعوة لليهود بترك القومية الصبيانية المستوردة من أوربا التي يؤججها محترفو السياسة،ثم خاطب اليهود عام 1938 أثناء الثورة الفلسطينية ضد الإنجليز والصهاينة ليذكرهم بأن الدين اليهودي والدولة اليهودية القومية يتعارضان فى المبدأ والأساس،ذلك لأن اليهودية ديانة كونية لا قومية،قائلا:إن معرفتي بالأسس الجوهرية للديانة اليهودية تجعلني أرفض فكرة الدولة المتصفة بالحدود والجيش والسلطة الزمنية.أخشى أن يلحق اليهود الضرر بأنفسهم نتيجة تنامى القومية الضيقة بين صفوفنا،وهى التي حاربناها بقوة قبل أن تكون لنا دولة،إن العودة إلى الدولة هي ارتداد عن روحنة مجتمعنا كما ارتجى منه الأنبياء .
فى عام 1946 عاد أينشتاين للتأكيد أن فكرة دولة لليهود لا تتوافق مع رغبات قلبه وقال إنني لا أفهم لماذا نحن بحاجة إلى دولة كهذه ،إن الدولة القومية هي فكرة رديئة،وقد عارضتها على الدوام،إننا نقلد أوربا،والذى دمر أوربا فى النهاية هو القومية.
كانت رغبة أينشتاين فى توطين اليهود الذين تضيق بهم أوربا فى وطن فى فلسطين ولكنه لا يريد فلسطين يهودية كما هي انجلترا إنجليزية.
حاول حاييم وايزمان اقناع أينشتاين بحق اليهود الإلهي فى فلسطين فرد أينشتاين بالقول : إن الله الذى أعطى فلسطين لليهود هو الذى أسكن الفلسطينيين فيها.
بعث أينشتاين برسالة إلى جريدة نيويورك تايمز وذلك قبل شهر من حرب عام 1948 بين العرب وإسرائيل قال فيها : إن العرب واليهود المتطرفين يدفعون فلسطين بتهورهم إلى حرب عقيمة،إننا نشعر أن من واجبنا الإعلان بقوة أننا لا نجيز الإرهاب والتعصب القومى،سواء مارسه اليهود أو العرب،إن نصرا حاسما يحققه أحد الفريقين سيولد مرارة محبطة،وإننا نتوجه إلى يهود هذه البلاد (يقصد أمريكا) وإلى يهود فلسطين بألا يسلكوا سلوك اليائس أو يبحثوا عن بطولات زائفة تنجم عنها ممارسات إنتحارية .
من المنطقي أن نستنتج أن أينشتاين بهذا الطرح سيكون من أشد المعارضين لحرب 1948 وتداعياتها المناقضة لكل المثل التي يؤمن بها وأولها عدم جواز إحتلال الأرض بالقوة.
كان مفاجئا رغم منظومة أينشتاين القيمية أن يعلن عن سعادته بإعلان قيام دولة لليهود على أرض فلسطين وهى أرض مغتصبة بالقوة،إذ لم تكن نسبة الأرض التي اشترتها الوكالة اليهودية تزيد على 6 % من مجموع الأراضي الفلسطينية،وقد اكتفى أينشتاين بإعلان أسفه لأن الدولة شقت طريقها إلى الوجود بطريق العنف ولأن العلاقات مع العرب لا تتوافق مع المبادئ الأخلاقية اليهودية،كما أدان أعمال العنف التي حدثت من اليهود تجاه الفلسطينيين فى مجزرة دير ياسين.
فى عام 1949 منحت الجامعة العبرية أينشتاين الدكتوراه الفخرية فى حينها ألقى خطابا يلقى فيه بمسئولية الحرب على البريطانيين،مؤكدا أن اليهود والعرب كانا يرغبان فى السلام المبنى على التفاهم المشترك،بدلا من الإحتكام إلى العنف لولا الضغوط الخارجية فى إشارة إلى بريطانيا،وعبر أينشتاين عن خشيته من أن تؤدى المواجهة المستمرة بين العرب واليهود إلى أن يعتمد اليهود على قوى دولية خارجية تجعلهم تابعين بدلا من أن يكونوا مستقلين،وجدد أينشتاين الأمل فى أن يعاد التعاون مرة أخرى بين العرب واليهود على الثقة والإحترام لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لإستقلال الشعبين الحقيقي عن العالم الخارجي.
كتب أينشتاين فى عام 1952 رسالة إلى أبا إبان قال فيها : إن الموقف الذى نتخذه من الأقلية العربية سيكون الإمتحان الحقيقي لمقاييسنا الأخلاقية كشعب.وبالطبع حديثه عن (أقلية عربية) يعنى به التسليم بشرعية الدولة اليهودية التي قامت على حساب الغالبية العربية.
من المؤكد أن ما حدث من خفض لسقف المثل لدى أينشتاين كان نتيجة التقاطع الذى حدث بين هويته اليهودية الثقافية مع تاريخ التنافي والإستعباد المتبادل والعنف الذى كانت الأكثرية فى الغرب قادرة على ممارسته ضد الأقلية اليهودية مثال تجربة اليهود مع النازية،وربما كان هذا هو السبب عن تغاضيه عن ولادة الدولة اليهودية والذى نتج بصورة دموية ضد العرب،ومع ذلك فإن أينشتاين رغم تسليمه بنتائج حرب 1948 إلا أنه لم يسقط مصالح الفلسطينيين فى المطلق من حساباته واستمر يصف الصراع على فلسطين بأنه صراع بين حقين،وظل إيمانه بين إيمان بوطن يهودي فى فلسطين،وحق الفلسطينيين فى الوطن،وبين خوف على اليهود من الحروب وخوف عليهم منهم .
قبل وفاة أينشتاين عام 1955 سئل أينشتاين: لماذا يستطيع العلماء أن يكتشفوا الذرات ولا يستطيعون السيطرة عليها ؟
أجاب : لأن السياسة أصعب من الفيزياء.
دخل أينشتاين السياسة من باب الدين والفلسفة،وإننى أستنتج أن الدين مع الفكر والعلم هم الأساس الحقيقي الذى يحمى البشرية من التعصب وأن التعصب لا يحمى الحقوق ولا يحمى المجتمعات مهما طال أمد الإحتلال.
خالد إبراهيم...مدونة سور الأزبكية
http://khaled-ibrahim.blogspot.com
هناك 6 تعليقات:
دائم التميز أ/خالد
والصمت إجلالا لكتاباتك......
الكاتبة المبدعة الحرة محمود الطاهر كريم
شكرا لهذا الإسم الكبير فى عالم الإنسان الحقيقى والإبداع والإحساس والتميز الحقيقى وكل ما هو رائع وحقيقى...ممتن للسيدة النموذج وكل وقت وعام وحضرتك بكل خير
الأخ والصديق العزيز خالد بك
موضوع أكثر من رائع وبحث متميز
خالص تحياتى وتقديرى
أتمنى لك التوفيق والسعاده دائما
محمد هباش
دائما ماتكون نظرة العلماء والمفكرين مبنية علي منطق علمي فقد حاول أنشتاين المحافظة علي علي اليهود بحثهم علي التعايش السلمي ولكنهم بغباء السياسين والمتعصبين تحولوا لقوة أو دمية في يد الغرب الذي يريد الشر للطرفين وهو ما سوف يؤدي في النهاية لزوال إسرائيل
صلاح شعير
صديق الشاعر المبدع أ.محمد هباش
أجمل تحية إليك وشرفت جدا بتواجدك واعجابك
حقيقى وحشتنى جدا ولك خالص ودى وتقديرى
صديقى المبدع أ.صلاح شعير
خالص ودى وتقديرى ووجهة نظر حضرتك مقنعة وصائبة ...كل التقدير
إرسال تعليق