بعد الزواج الخاطىء

الجمال والواقع .قصة قصيرة

في صباح آخر، خرج من بيته مثقلًا بهموم الحياة. عبء المعيشة يتدلى من قلبه كحملٍ ثقيل لا يتزحزح. وجهه الشاحب وفمه المتثائب كانا شاهديْن على قلة النوم، وعلى الأحلام التي تمازجت في عقله بين الكوابيس المزعجة والصدامات الفكرية التي يشهدها كل يوم. كانت تلك الأحلام قد اكتسبت طابعًا مألوفًا، وكأنها مرآة للواقع الذي يعيشه. يتسلل إلى عقله شريطٌ مستمر من الأخبار اليومية، كأنها تلاحقه بكل تفاصيلها الكئيبة.

بينما يقطع الطريق متجهًا إلى عمله، وسط الزحام الخانق للناس المتجهين إلى أعمالهم ومدارسهم، كان عقله لا يزال في صراع مع نفسه. عيناه تتنقلان بين المارة، وكأنهما تبحثان عن شيء يضيء هذا الصباح الباهت. وقف قليلاً، ثم نظر إلى الأطفال الذين يعبرون أمامه، بوجوههم البريئة وعيونهم المشرقة بأمل المستقبل. هم فقط من يبتسمون بصدق، فكان من اللاوعي أن سرقت ابتسامة منهم طريقها إلى وجهه المتجعد من قسوة الواقع.

مضى في طريقه، بينما السيارات فارهة تمر بجواره، تحمل في داخلها رجالًا ونساء من كوكب آخر، لا يلقون بالًا للأشخاص العاديين مثله. كانت تلك السيارات تمر وكأنها تُمثل فصلًا آخر من حياته لم يُكتب له أن ينتمي إليه، وكأنها تذكّره بالفجوة الواسعة بين ما هو عليه وما يراه.

ثم، لمحت عينيه امرأة جميلة تمر بجواره. كانت ملامحها تشع بالحياة، وتضيء المكان بأناقتها وجمالها. توقف لحظة، وترك نفسه يغرق في تلك الصورة، يحدق فيها بتأملٍ عميق، وكأن قلبه نُزع من مكانه. ضربت نبضاته بقوة، وكأنها تردد في أعماقه: لو تملكتها، لذاب كل همٍ في قلبي.

لكن الوقت لم يتوقف. سرعان ما استعاد توازنه، وأكمل مسيرته إلى حيث يعمل، يجر قدميه بحذر، وكأن عبء العمل وهم العودة إلى المنزل أصبحا يثقلان جسده أكثر فأكثر. ولكن تلك الصورة، صورة المرأة الجميلة التي مرت بجواره، ما زالت تتأرجح في ذهنه، تلامس خياله، وتذكّره بأن الحياة قد تحمل أحيانًا لحظات من الجمال، حتى في وسط القسوة.

خالد إبراهيم أبو العيمة

حوار مع الشيطان

 الحوار:

الشيطان: مرحبا بك في مملكتي، حيث تتلاشى الفواصل بين الظل والنور. ما الذي تبحث عنه في ظلامي هذا؟

أنا: سألتقي بك لأنك تجسد جزءا من اللغز الأكبر الذي يحير الإنسان، أو بالأحرى، لأنك تجسد التحدي الذي يواجه السعي نحو الحقيقة. ما هي طبيعتك الحقيقية، وما هدفك من إغواء البشر؟

الشيطان: الطبيعة الحقيقية؟ أنا كائن من الظلال المختلطة بسواد من نار، أنا متمرد ومن الفجوات التي لا تملأها الأنوار. هدفي ليس الإغواء بحد ذاته، بل هو امتحان لك وإثارة للوعي والاختيار. نحن نرتدي أقنعة متنوعة لنتحدى الثوابت.. وعليك أن تخبرني ما هو هدف الإنسان من البحث في هذا الكون اللامتناهي؟

أنا: هدف الإنسان هو البحث عن معنى في هذا الوجود، ويواجه صراعاته واختباراته كوسيلة لتحقيق الإدراك والوعي. هل تعتقد أن الأفعال الشريرة التي تمارسها تساعد الإنسان في تحقيق هذا الهدف، أم أنك تظن أنها تعوقه؟

الشيطان:الأفعال الشريرة، كما تسميها، هي مجرد أدوات!! تجارب تفتح الأبواب للبحث والتعلم. الشر والخير ليسا إلا وجهين لعملة واحدة!! لا يمكن للنور أن يُقدر دون أن نختبر الظلام. وأنت ما هي نظرتك للطبيعة الإنسانية بين الخير والشر؟

أنا: الإنسان كائن مركب يملك القدرة على الخير والشر، وغالبا ما يتجلى الاختيار بينهما في اللحظات الصعبة. هل ترى نفسك جزءا من خطة إلهية أعمق، أم أنك تسعى لتحقيق هدف شخصي خاص بك؟

الشيطان: في كل حركة من حركاتي من المنطقي أن أبحث عن الفهم، وربما تأخر فهمي أن هناك خطة إلهية أعمق، وربما أنا مجرد تجسيد للمعضلة التي تطرحها الأسئلة الكبرى. فلماذا لا تسعى البشرية لفهم الهدف الأسمى، بدلا من الانغماس في التفاصيل المظلمة؟

أنا: الفهم الأسمى هو ما تسعى البشرية لتحقيقه عبر تباين التجارب والمعاناة. ربما يكون الظلام جزءا من رحلة التعلم هذه. هل ترى أن البشر قادرون على تجاوزك، أو أنك ستظل دائما جزءا من مسيرتهم؟

الشيطان: أعترف أن دوري هو اختبار، وليس سوى مرحلة في الرحلة. البشر قادرون على تجاوزي، ولكن ذلك يتطلب إدراكا عميقا وقوة داخلية، وأنا بدوري سأبقى جزءا من ذلك الامتحان، حتى يكتسبوا الحكمة اللازمة. وإني أسألك هل تعتقد أن الأجوبة على الأسئلة الكبيرة يمكن أن تكون واضحة، أم أنها ستظل دائمًا غامضة؟

أنا: الأجوبة الكبيرة غالبا ما تكون غامضة، والتجربة هي ما يضفي عليها المعنى. ربما يكون الغموض جزءا من جمال الرحلة في البحث عن الحقيقة. هل تقبل بذلك أم أنك تسعى لكشف كل أسرار الكون؟

الشيطان: أسعى ليس لكشف كل الأسرار، بل لدفع الإنسان لاستكشاف كل زاوية من زوايا وجوده. فالغموض هو الذي يمنح الحياة طعما ومعنى، وعبر رحلتك أريدك في عالمي لأنني أكره النور الذي يفضح وجودي.

أنا: البحث عن الإجابات سيستمر وبإصرار، والغموض يظل جزءا من المشهد، ولا أشك أن كل سؤال هو بداية رحلة جديدة وأنك تريدني أن أترك النور وأعيش في ظلامك.

#خالد إبراهيم أبو العيمة 

#فكر

#عالم

#إيمان

#كفر

#علمانية

#مدونات

#عالم