السيطرة على أفعال وانفعالات الشعوب من أجل أن تسير في مسار الطاعة وتنفيذ
المطلوب منها من البناء والتعمير في كافة المجالات وحماية الأوطان يتطلب أن يكون وفق
مخطط قانوني عادل ،إداريا ،منتظما ، راسخا وليس عشوائيا، ومن يخالف هذا المسار يتم
تطبيق القوانين وتنفيذ الأحكام عليه،ولكن المتغيرات الإقتصادية والطبقية والسياسية
تجعل أحيانا هناك حالة من الشد والجذب بين الشعوب والحكومات خاصة عندما يغلق
الحاكم المتشبث بالحكم غير الوطني وغير العادل وزمرته الحاكمة أذانهم وأعينهم عن
سماع الشعب بشكل كامل فعندها تحدث الثورات بعد أن تختمر.
الحاكم العادل الوطني هو حاكم لكل طبقات الشعب ،لايفرق بين أحد من الشعب
على أي درجة من التفرقة، طالما يؤدي دوره وواجبه الوطني والإجتماعي والإنساني على
الوجه المطلوب ،هو حاكم يدرك مسئولية توقيت وجوده ،ولكن الحاكم المذهبي المتسلط والقابع
على كرسي السلطة وكأنه جزءا من جسده فإنه والمحتل
سواء لأن هذا يحتل كرسي الحكم وهذا يحتل الأرض وما عليها ،ودائما ما نجد الحاكم
الباغي حاكما طبقيا أو حاكما مذهبيا ،وكليهما يقودان الشعوب ليس بالقانون وإنما
بتعميق المذهبية الدينية القوية أو الطبقية على حساب العقل والإعتدال والعلم
والقانون .. فعندما ينشغل الناس بالإختلاف المذهبي والعقائدي أو بالتفكير الطبقي يبتعدون
عن كرسي الحكم وأفعاله والمتخم بكل أنواع الثراء والقداسة فينتشر التسلط والنفاق
والظلم والفقر والمرض وتضعف القيمة الوجودية للإنسان .
دائما ما يروج الحاكم المذهبي أو الطبقي لنفسه بترك الأبواق الإعلامية
المستفيدة بقربه والبعيدة عن المعنى الوطني والإنساني والثقافي، فتروج لمذهبه أنه
الطريق الأمثل للناس في الدنيا والأخرة، لأن القوة النفسية تقبل بالدخول في تلك المخاطرة
الحربية الرهيبة التي قد تكلف الإنسان حياته عندما يصبح الأمر متعلقا بالدين أو
العقيدة ويمتد هذا الترويج من أجل الحشد للدفاع عن الوطن تحت مسمى مذهبي أو أحيانا
تحت مسمى الأمن القومي أو حقوق الإنسان أو التدخل في شئون الغير على هذا الأساس العقائدي
أو المذهبي حيث يصبح من يقتل هنا أو هنا حاملا لدرجة شهيد ويصبح الموت سهلا وكثيرا
وتصبح الشعوب المغلوبة على أمرها وقودا للحرب وهو في حقيقته حرب من أجل إستمرار
الجلوس لفرد أو فئة معينة على كرسي الحكم.
في واقعنا إيران تروج لمذهبها الشيعي والسعودية تروج لمذهبها السني
وإسرائيل تروج لمذهبها اليهودي الأرثوذكسي الذي جعل العقيدة والقومية شيئا واحدا
،وأمريكا تروج لمذهبها الديموقراطي (بوجهة نظرها) وداعش تروج لمذهبها التكفيري وقس
على ذلك الكثير من التنظيمات والجماعات وتبريرات الإحتلال.
لا بديل عن الدفاع عن الوطن ولكن بالحق ومن يتخلف عن الدفاع عن وطنه فهو
خائن ولكن لنحذر من الدخول في حروب تحت مسمى مذهبي وهذا ليس ضد الإتحاد والتكتلات والمصالح
ولكن بشرط أن تكون رادعة للعدوان وليست معتدية وبعيدة عن اللغة المذهبية.
فارق بين رسالة الأنبياء ورسالة الحكام فالأنبياء وضعوا حجر الأساس للدين
بأخلاقه وقيمه وتشريعاته وأن يعلم الإنسان أنه مراقب طوال الوقت من ربه ،وتم
البناء على الأديان في زمن لم تكن فيه هناك سوى قبائل وعائلات وأفراد متشرذمة هنا
وهناك وبينهم اقتتال وتوحش وظلم وجهل وعدم وجود منهج يمشون عليه، فجاءت الديانات من أجل أن تنقل الناس للتمدن والتحضر وتساوي
بينهم وتحفظ أرواحهم وممتلكاتهم فأصبح الحكم من بعد الديانات مسئولية والعدل
مسئولية ولم تعد البشرية في حاجة إلى أديان جديدة ولكن في حاجة إلى تواصل وتفاعل
وتبادل منافع والعيش في ظل احترام متبادل.
الدين في حقيقته ليس أداة سيطرة من أجل الحكم وإنما من أجل ترسيخ العدل والقيم
الأخلاقية وتعريف الإنسان بربه حتى يتحمل هذه المسئولية في السر والعلن،ولكن
المذهبية هي التي ظهرت وأصبحت مولودا ودافعا من أجل السيطرة ،وحشد التأييد المذهبي من أجل
الحكم واحتلال الأنفس والأرض ،وحدثت الطائفية والمذهبية في كافة الديانات، ففي اليهودية تجد اليهودية الأرثوذكسية
واليهودية الإصلاحية واليهودية المحافظة ، وفي المسيحية تجد الكاثوليك والأرثوذكس
وفي الإسلام تجد السنة والشيعة،علما بأن الكتب السماوية عندما نردها إلى أصلها فهي كلمة الله ،والله عزوجل جعل الكتاب لكل أمة من دون أن يفرق بينها على
أساس مذهبي فجعل الإله واحد والرسول واحد من أجل أن لا تكون هناك مذهبية.
بوضوح لا توجد قوة على الأرض قد تدفع الإنسان نحو إهلاك نفسه أو غيره سوى
قوة الإيمان بالغيبيات ولهذا سخرها أصحاب القوة والنفوذ والتنظيمات الإرهابية والمراكز البحثية المخابراتية والدويلات الصغيرة للإحتفاظ بالقوة والملك أحيانا،وتأجيج الصراعات أو من أجل الإلهاء أو التفرقة أو الهدم أو أحيانا أخرى ،أو التمهيد للمحتل في أحيان كثيرة.
الأوطان يحفظها العدل ،وهو أساس الأمن القومي ،كما هو أساس الملك، أما
المذهبية والطبقية فهي أساس الظلم والتطرف والغلو ،وكل حزب بما لديهم فرحون.
يمكنك أن تجد مبررات للحرب ولكن لا يمكنك أن تجد مبررا للجهل.
خالد إبراهيم أبو العيمة ... مدونة سور الأزبكية
http://khaled-ibrahim.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق