في صباح آخر، خرج من بيته مثقلًا بهموم الحياة. عبء المعيشة يتدلى من قلبه كحملٍ ثقيل لا يتزحزح. وجهه الشاحب وفمه المتثائب كانا شاهديْن على قلة النوم، وعلى الأحلام التي تمازجت في عقله بين الكوابيس المزعجة والصدامات الفكرية التي يشهدها كل يوم. كانت تلك الأحلام قد اكتسبت طابعًا مألوفًا، وكأنها مرآة للواقع الذي يعيشه. يتسلل إلى عقله شريطٌ مستمر من الأخبار اليومية، كأنها تلاحقه بكل تفاصيلها الكئيبة.
بينما يقطع الطريق متجهًا إلى عمله، وسط الزحام الخانق للناس المتجهين إلى أعمالهم ومدارسهم، كان عقله لا يزال في صراع مع نفسه. عيناه تتنقلان بين المارة، وكأنهما تبحثان عن شيء يضيء هذا الصباح الباهت. وقف قليلاً، ثم نظر إلى الأطفال الذين يعبرون أمامه، بوجوههم البريئة وعيونهم المشرقة بأمل المستقبل. هم فقط من يبتسمون بصدق، فكان من اللاوعي أن سرقت ابتسامة منهم طريقها إلى وجهه المتجعد من قسوة الواقع.
مضى في طريقه، بينما السيارات فارهة تمر بجواره، تحمل في داخلها رجالًا ونساء من كوكب آخر، لا يلقون بالًا للأشخاص العاديين مثله. كانت تلك السيارات تمر وكأنها تُمثل فصلًا آخر من حياته لم يُكتب له أن ينتمي إليه، وكأنها تذكّره بالفجوة الواسعة بين ما هو عليه وما يراه.
ثم، لمحت عينيه امرأة جميلة تمر بجواره. كانت ملامحها تشع بالحياة، وتضيء المكان بأناقتها وجمالها. توقف لحظة، وترك نفسه يغرق في تلك الصورة، يحدق فيها بتأملٍ عميق، وكأن قلبه نُزع من مكانه. ضربت نبضاته بقوة، وكأنها تردد في أعماقه: لو تملكتها، لذاب كل همٍ في قلبي.
لكن الوقت لم يتوقف. سرعان ما استعاد توازنه، وأكمل مسيرته إلى حيث يعمل، يجر قدميه بحذر، وكأن عبء العمل وهم العودة إلى المنزل أصبحا يثقلان جسده أكثر فأكثر. ولكن تلك الصورة، صورة المرأة الجميلة التي مرت بجواره، ما زالت تتأرجح في ذهنه، تلامس خياله، وتذكّره بأن الحياة قد تحمل أحيانًا لحظات من الجمال، حتى في وسط القسوة.
خالد إبراهيم أبو العيمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق