إنها لا تُشترى
لم تكن لدية
الخبرة الكبيرة بالنساء ،كانت تـُلاحقه نظرات الإعجاب بملامحه المتناسقة, ظل خجولا
للحد الأقصى فى مصاحبة الفتيات ، لكنه كان بارعًا في التهرب لأسباب وهمية فى
معظمها ، نظرة المحيطين به تتطلب منه الجدية دائمًا ، سمعة عائلته المحافظة جعلت
الرغبة فى المغامرة العاطفية حلمًا تكسوه جدران الخجل ، تغلفه أفكار الفزع من
نوايا التحرر.
ظلّ يرسم الحب
على الورق ، يختلي بالقلم ،يـُخبىء الفكرة ،يمزق الورقة ، يكتفى بالعيش داخل نظرات
يسترقها ، وقصائد يرسلها للقمر.
قرر أن يشترى
الحب بالمال ،جاءته فرصة السفر إلى بلد كل العاطفة فيه تتجه إلى حصد الأموال ، لا
وجوه باسمة كالتى فى وطنه ،كل الأماكن تختال بعروض البيع والشراء ، قضى فيها عدة
أعوام ، قرر أن يعود فيشترى الحب ، تحرك حسب النظام والتقاليد ،اختارها فى سويعات
،عطر الكلمات ،أنهى مهمة الارتباط ، أقام الأفراح ،خطة المستقبل الباسم ، كثرة
الأبناء .
منذ البداية
اغتالته برودة الروح ،شراهة المادة ،عبثية الغباء المتكرر ،جمود المعرفة ،الرغبة
فى صنع العداوات.
يصمت ، يصمد
،يعلو صوت الألم ،يضحى ، مرارًا يحاول مسح الذاكرة ، لكن القبح الجديد لا يمنحه
الفرصة ، يستدعى الحكمة ،الفطنة ،الصبر ، سرعان ما يهربون ،لا يطيقون.
يقرر الاعتزال
،البحث ،من دون خجل ، من دون صناعة الأوهام ، النفس
،الفكرة،الأحلام،التاريخ،جميعهم يبحثون.
تتعدد اختيارات
البحث فى الطريق ، تتعدد الوجوه ، تتنوع الأقنعة ،لم تعد تقنعه المواصفات
المعتادة..ينتظر الصدفة.
يمسك بقلمه فى
شجاعة ، يكتب من أجل الجميع دون خجل ، يعرض الحقيقة ، يتمسك بالأهداف ، لا
يهتز،يملؤه اليقين أن فرصته لم تذهب ، و لو عانده المستحيل ، لكنه يحاول لن ييأس.
تصادفه مناورات
الأقلام التى تصنع وهما افتراضيًا ، اختلاط الألوان فى تشكيل صورة نادرة الوجود ، لكن مع قناعاته ما يهرب من العقل المفكر يوقفه القلب الباحث ،
وما ترتضيه العين ، ترفضه الروح.. لكنه لا يزال ينتظر البداية الجديدة.
بمرور الوقت تلوح فى الأفق
سيدة تكتب أسفل رزاذ المطر، من دون أن تمحى الكلمات ، حروفها ناصعة رقيقة
تصاحبها قطرات ندى...
لعلها تكون الصدفة... ومن عجائب الصدفة وجدها تشكو جرحًا مثله ، إنها تكتب وكأن حروفها كتبت بقلم ساحر، زهورها
فاتنة تجبرك على النظر إليها ، تستحوذ على إحساسك ، على كل حواسك ، تغير وجهة نظرك بين روعة الوصف والموصوف ، تجاه المنطوق والمحسوس.
ظل يكتب إليها فى
خفاء ، وبمرور الوقت أدهشته المفاجأة أنها كانت تكتب إليه فى نفس التوقيت فى خفاء. في كل مرة يلتقيها عبر
الأثير فى حوار مباشر مكتوب، فيه يراها ويسمعها ويستشعرها.. إنها تطابق نفس الروعة في الصورةوالكلمات التى تكتبها.
في كل مرة يحاول انتهاز
الفرصة للإمساك بها ، فتهرب تاركة إياه مع الحلم.
يخاطبها : الحق
أنّ عقلي أرهقه التأمل فيك.
تسأله : برأيك مَن
مِن المحبين يكون الضحية المرأة أم الرجل ؟
يجيبها : القلب.
ترد قائلة :
أخذتها من على لساني ،القلب هو البطل وهو الضحية وهو
الغيمة التي تبكي بمفردها
يقول لها: قبل أن نلتقي لا
أدرى هل يمكننا أن نتذكر أننا عشنا سعداء.
ترد قائلة: لا اذكر أنّ الفرح عرف عناقنا ،
حتى الموت تبرأ من غشاوة الفكرة.
يسألها: وماذا عنا ؟
تجيب : في حدود الغياب تفتح نوافذ
الرغبة المستحيلة.
يرد : امنحى نفسك حق الوجود.
تجيبه : بل سأمنحها الزاوية المنصهرة.
- يصمت ........
تقول : بين الحروف نسافر، أنا أقرأ لك ، أجدني بين وجهات نظر القليل من يفهمها.
إنك تلامس في الوطن جرحه..
في القلب تأملاته..
في المرأة عجبها..
في الرجل عتبه المفقود..
وتترك الحروف تصفع بعضها..
فترجو من ترجوه وتترك من تتركه وكل
الأركان تقيم للحق حجة ومنطقا للعقل.
يشكرها، ويتشجع على اعتراف حبيس ، يلملم نفسه قائلا: أشعر أمامك بأنك وطن
أبحث عنه ، قناعتي به مكتملة ـ،رضائى فيه غير منقوص ، تفردك يعيدني إلى زوايا البحث عن أفضل
ما يمكن قوله.
ترد : شكرا غزيرة مثل المطر.
تقول : إنّ
قناعتي بما أكتب أنني أحاول رمي الوشاح وتلوينه
دون ترك خدوش عليه.
تخاطبه: أنا
كنت أكتب شيئا لأحباء ما عرفناهم وما التقيناهم.
يقول : إنها هى
الصدفة..لكن لديها ثمة عائق أو أكثر، كيف أهديها قلبي ؟ .. إنها لا تُشترى.
سويا يندهشان من كل كتابة فى الحب ،ترثيه ، تقهره ، تقتله تلومه ، تحتقره.
***
خالد إبراهيم أبو
العيمة...مدونة سور الأزبكية
http://khaled-ibrahim.blogspot.com
يرجى الأمانة فى النشر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق