مصر الكبيرة كم أفنت على أرضها من الممالك والحكام والولاة والحكومات وبقيت مصر وشعبها فى ازدياد وهذا يزيد من المسئولية على كل حاكم جديد ،ويتطلب الأمر منه أن يقرأ التاريخ جيدا وكذلك الواقع لأن العصر لم يعد عصر الآلهة ولا عصر التنابلة وتجاهل مطالب الشعوب .
حكم مصر ليس قطعة حلوى مثل التي يمسك بها الأطفال ولا يرغبون فى أن يتركوها من بين أيديهم،إنما الحكم مسئولية وطنية كبيرة وتحملها يحتاج لرجال قادرون على تغيير واقع أوطانهم للأفضل من دون تفرقة بين فصيل أو جماعة أو أفراد .
إن المدنية تعنى التحضر والتمدن والمساواة وهى ليست قصرا على شعوب أوربا وأمريكا وليست هبة من الحكام للشعوب إنما هي حق أصيل لكل شعوب العالم من أجل أن يحصل كل شعب على حقه فى الحياة وأن يتواصل بندية والمشاركة الحضارية مع كافة دول العالم المتمدن وتقديم العون الإنساني والعلمي لكل شعوب العالم.
التاريخ عبارة عن فترات ونحن فى فترة انتقالية من التاريخ يتأرجح فيها الحكم بين ولادة متعسرة لحاكم مدنى وما بين قوة أمسكت بزمام الحكم لمدة تزيد على ستين عاما وهى تبدو مترددة فى تسليم السلطة لأنها فى حالة قلق على مستقبل وطن فى أول تجربة على يد حاكم مدنى فى توقيت تمر فيه البلاد بمنعطف تاريخي من التحولات الجوهرية فى ثقافات الشعوب ورغبتها فى تغيير شكل الحكم .
الجيش مؤسسة وطنية منضبطة تحمى حدود الوطن وهذا يتطلب مستوى عال من التدريب واليقظة والتسليح والتأهب والإستعداد لمواجهة المخاطر التي قد تحدث ،وتاريخ العسكرية المصرية مشرف من حيث النجاحات فى الحفاظ على التراب الوطني ،وهناك علاقة وطيدة بين الشعب والجيش المصري لأن مكونات الجيش بطبيعتها هي من أبناء هذا الشعب وقوة الجيش هي نتاج لقوة الشعب لأنها منتج من نفس الشجرة .
تمارس دائما المؤسسات العسكرية شكلا من أشكال الطقوس فى داخلها بحيث تخضع فيها المستويات الأدنى للمستويات الأعلى ويظهر ذلك فى الطاعة المطلقة ، وطرق تنفيذ الأوامر، أداء التحية وأهمية الدرجة ،كذلك الأقدمية بحيث جعلت من العسكريين مجموعة بشرية تتحرك بحساب دقيق وبعلاقات محددة مغلقة وليست منفتحة على الجميع ،وذلك يفسر ثقافة التخوف الرهيب من التعدي على أمن الوطن بطريقة مبالغا فيها وجعل سوء الظن أقرب أحيانا لأي فرد يريد أن يمارس عملا سياسيا مما قد يعرضه للمضايقات الأمنية ،تصل أحيانا كثيرة حد الإعتقال ،بإعتبار ذلك عملا ضد الأمن القومي.
كذلك تتجنب/تتخوف الجماعات الدينية الخروج خارج فكرة الطقوس الدينية،فأنتجت (شكليون) يخشون الخروج من دائرة الفكر المعتاد لديهم ،مما جعل كل خطوة يخطونها تخضع لروتين الرقابة الفقهية المختلفة الآراء والتفاسير ومعايير الشك والخوف من الوقوع فريسة للفكر الشيطاني بوجهة نظرهم ،فأصبح كل مفكر لديهم مجترئ على القول والفعل الإلهي وأصبح تأديبه حقا إلهيا ،هم من يقومون به لأنهم يدافعون عن شرع الله فى الأرض، وقد أنتجت هذه الأفكار المنغلقة نوعا من المبالغة ما بين يمين متطرف فى الجمود والتعصب الأحادي فى الرأي،قابله علمانية متطرفة متعالية متجاهلة للأطراف الأخرى.
على الجانب الأخر: الدولة تحتاج لأفكار منفتحة خلاقة تبنى وتبدع فى كافة المجالات وهذا لا يتحقق سوى بحرية التعبير واستغلال كافة الكفاءات اللازمة للبناء وهذا لا يمكن تحقيقه تحت قيود الطقوس العسكرية ،ولا الجمود الديني ولا التجاهل والتعالي العلماني على الأطراف السابقة،لأن الإبداع لا يأتي تحت السيطرة المطلقة وإنما يتأتى بإتباع أساليب الإدارة المعاصرة التي لا تعتمد على الطبقية السلطوية ولا الفاشية الدينية ولا التحلل من كافة القيود .
حالة من التشوهات أصابت جميع الشعب فى مقتل لم يسلم منها أحد حتى الطبقة المثقفة ،وأنتج هذا الواقع حالة من البلادة أفرزت حزب الكنبه الذى لا يرضيه أي طرف من هذه الأطراف بحيث يكسب تأييده فأصبح متفرجا .
الحكم العسكري أجاد أحيانا وأخطأ أحيانا أخرى ،لكن حقيقة الأمر أنه لم ينجح فى جمع الصف الوطني بشكل كامل، وهذا يظهره الإنقسام فى حجم التأييد، وهذا حدث أيضا مع تنظيم الإخوان، حيث لم يستطيعوا جمع الصف الوطني ففشلوا أيضا فى الحصول على التأييد الجمعي،أما التيار العلماني فهو ليس قوة أساسية لديها تأييد شعبي بحجم القوى السابقة .
أكثرية الناس فى الواقع الحالي المرتبك تتمنى العودة للحكم العسكري من أجل السيطرة على حالة التمرد التي طالت مدتها منذ وقوع الثورة ،لأن الحكم العسكري بوجهة نظرهم ولو كان منغلقا إلا أنه سوف يقضى على الفوضى لأنها أسوأ من الوقوع فى أسر القبضة العسكرية، والتى لا أشكك إطلاقا فى وطنيتها ولكن لنعترف أن الناتج الأكثر وضوحا لإدارتها للحكم يختلف تماما عن نجاحاتها العسكرية المبهرة ،فهل نستطيع أن نفكر بدون تعصب ونذهب لتجربة مدنية جديدة نلتف حولها أم أنه لا بديل عن العودة للحكم العسكري ،بحجة أنه سوف يفكر هذه المرة بطريقة أكثر إنفتاحا،وأن التيار المدني لم ينضج بعد بوجهة نظرهم .
هنا السؤال الأهم هل العدالة ضد الأمن القومي ؟
هنا السؤال الأهم هل العدالة ضد الأمن القومي ؟
خالد إبراهيم... مدونة سور الأزبكية
http://khaled-ibrahim.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق