الأربعاء، 6 فبراير 2019

ماتت وهى على قيد الحياة : قصة قصيرة)

   فرحة عارمة ، ناطقة ، على وجه أمي العجوز ، فقد سمعت صوت أبى يتحدث من مكان قريب ، ظلت تردد أريد أن أذهب إلى بيتي ، الآن ، لن أنتظر أكثر من ذلك .

   رغم هشاشة عظامها كعجوز تصارع كشاب فتى من أجل أن تتحرك من مكانها غير عابئة بعجزها ، ورغم كسر إضافي بمفصل الحركة بالرجل اليمنى والذى أقعدها تماما عن الحركة .

   أبى الذى مات منذ ثمانية عشر عاما ، لا زال يحيرنا بقوة الرباط بينه وبين أمي حتى بعد موته ، ها هي أمي لا تعبأ بتوسلاتنا لها أن تهدأ ، أن تأخذ أدويتها ، أن تنتظر للصباح ، لكنها لا تصدق ما نقوله : أنها فى بيتها وليست فى بيت أخر .

   أغلبنا فى وضعية الجلوس على الكنب المجاور لسرير أمي ، تدهشنا تعبيراتها ووجهها المتورد حمرة وضياء وكأنها فتاة فى مقتبل العمر ستلقى فتى أحلامها ، حاولنا تذكيرها بأن أبى مات ، فسألناها : أين أبى ؟ قالت: هو سيأتي بعد قليل

   كررنا السؤال : أين هو ؟

   أجابت: فى قلبي

   أخذتنا ضحكات هستيرية من عفويتها ورغبتها الجامحة فى الذهاب لتنتظر أبى الذى سيأتيها بعد قليل .

بين طيات مشاعري متعجبا من حال أمي وأبى رغم موته ، يحيطني صوت مرتفع و ضحك متواصل حيث صرح أحد إخوتي ساخرا : إن زوجته لم تقل له طوال عمره أنه فى قلبها .

يلفني عزف المشهد والكلمات على أوتاري الحزينة ، أن زوجتي ماتت وهى على قيد الحياة منذ سنوات .

                                 *********************
               خالد إبراهيم أبو العيمة مدونة سور الأزبكية
http://khaled-ibrahim.blogspot.com