الخميس، 20 يناير 2011

الكبير يولد كبيراً والصغير يستمر حقيراً

العوام من البشر هم دائما من يصنعون التاريخ،ودائما هم الأدوات لخدمة الكبار،ولبناء المجتمعات، ودائما هم الوقود للحروب،تلك حقيقة فالبسطاء دائما يدفعون الثمن إما من أنفسهم أو صحتهم فهم أقصر البشر عمرا وأكثرهم مرضا.
ولست أرى حاليا فى كثير من الأغنياء سوى صناع للعبودية فالغنى يريد أن يكسب لوحده ويكون الكل تحت إمرته ولا يريد لأحد أن ينافسه فالكل يسعى ليكون السيد الأوحد والغنى الأوحد والمسيطر الأوحد والجميل الأوحد ومن طباعه أن يكشر عن أنيابه فى وجه الفقراء والبسطاء والعاملين فثروته هى نتاج قوته ونبوغه وحكمته ولا يحق لأحد الخروج عن سلطان هيبته.
البسطاء يمهدون الأرض ويبنون السدود ويصنعون ويقدمون الخدمة ويموتون دفاعا عن الأوطان وعن الكبار،ودائما ما يحيون ويموتون فى الظل.
البسطاء أيضا لهم أحلام إنتظار الهبات من صاحب السلطان والمال ولديهم ثقافة الضعف والثرثرة والتبعية وعدم الثقة فى انفسهم بأنهم قادرون على تغيير واقعهم سوى بالحظ مع أنهم قد يغيرونه فى لحظة فارقة لكنها تأتى دون تخطيط فى عشوائية وعندها يفكرون بطريقة مثالية فتجد من يستثمر أحلامهم وسواعدهم بدهاء بطريق الخطأ.
عامة الناس يميلون للتفكير المثالى والأغنياء أصبحوا يميلون لطبائع الفوقية والقهر ويعتمدون على العلم فيما يحقق مصالحهم
من هنا ضاعت وتضيع كثير من مجتمعاتنا تحت أنانية الأغنياء وسذاجة الفقراء الذين ينتظرون أن تمطر السماء عليهم الذهب والفضة
لو نظرت فى شوارعنا تجدها تعبر عن ثقافتنا فتجد من يضع رمزا يدل على مكانته فهذا يضع رمز يدل على أنه أمير وهذا يضع صورة تدل على أنه فى القضاء وأخر فى الشرطة وأخر فى دنيا المهمين فى بلاد المهمين فقط اما باقى البشر فهم مهمشون فعليك إفساح الطريق أمام سياراتهم وتعظيم سلام لجنابهم والإنحناء رغبة فى الحصول على فضل نصف إبتسامة من شفاههم.
من هنا يحرص صاحب النفوذ على كسب المزيد من النفوذ ويكبر الكبير فقط والصغير سيندم أشد الندم لو إرتفعت أحلامه فوق المسموح به والمسموح به هو أن لا تعترض ولا تعتقد أنك بشر مثل الكبراء فالكبير يولد ويظل كبيراً والصغير يولد ويستمر حقيراً
من هنا تتولد ثقافة الفرصة فلو أتاح الحظ فرصة لصغير فهو يحمل رصيد تربوى من كبير رباه على الحرمان وعلى الذلة فيكرر الصورة البشعة التى عاشها من قبل.
من هنا يظن الأقوياء أنهم على حق فى قهر البسطاء وينتظر البسطاء عدالة السماء فى مذلة الأقوياء،والمنطق يقول ليس الخطأ فى ان تكون غنيا أو صاحب سلطان بل الخطأ ان لا تكون منطقيا فى علوك وإصطفائك لذاتك على كل الذوات المحيطة بك
نشأت طبقية المهن لتمثل قوة فى الحصول على الثروة والقيادة كلما أمكن فى مواجهة المهن الأخرى وأصبح كل صاحب مهنة يرى فى مهنته عظمة وجوده وغابت بشريتنا لحبنا فى التسلط على غيرنا
ربما هو تشريح مثالى لحالنا هدفه الوصول للنقطة المثالية لكن الصدمة إن ذلك يحدث نتاج ضياع قيم التربية فى الأسرة والمدرسة والجامعة والخدمة الإلزامية وفى الشارع وضياع وجود علماء الإجتماع وغياب رجال دين حقيقيين فى كافة الأديان يزرعون أهداف أخلاق الشرائع لكنهم يركزون على الترهيب دون أن يقدموا حلول وأيضا فقدان القانون وضعف الثقة فى ساستنا لأنهم لا يرون سوى انفسهم فالطريق لا يمكن إصلاحه أو تمهيده إلا بمرور وزيراً فما فوق والمياه النظيفة لا تأتى إلا فى وجود السيد المسئول وما هى إلا دقائق هى توقيت الزيارة ثم تعود الفوضى من جديد.
من السخافة والسذاجة أن بعض الناس يريدون علاج سلبية عامة الناس بكلمات رنانة ولوحات إرشادية وتحذيرية متناسين ان البشر ليسوا ماكينات يمكن برمجتها بالصورة وبالمحاذير وبما أننا جميعا أصبحنا شعراء من كثرة ألآم الواقع صرنا نهرب بخيالنا لواقع الصورة المتخيل وعشقنا جمود الواقع خوفا من غدا فنحن نرى اليوم أفضل من الغد فصرنا بلا غد.
البشر فى حاجة لمجهود تربوى كبير وعدالة منطقية فى توزيع السلطة والثروة وأمن وقانون لايفرق بين كبير وصغير لكى يصبح الناس بشر حقيقيين ولكن من سيعطي هذه الفرصة خاصة وأنه مشوه داخليا ولا يرى سوى نفسه.
نحن فى حاجة لمعجزة لنعود إلى بشرية بلا سفك دماء وبلا دونية ودون فوقية ودون تعصب وإيمان بالمساواة
أول أحلامى ان نفهم انفسنا فنفكر ونتألم من أجلنا ثم نعرف قدر كرامتنا ونقرأ التاريخ ثم نحلم بالمزيد فهل نثور على أنفسنا من أجلنا
فارق كبير أن تكون فى حالة إشباع فكرى ونفسى وبين أن تشعر أنك خاوى فتبحث عمن هو أضعف منك فستعلى عليه إرضاء لشهواتك التى أفقدتك إنسانيتك فتقتل ذاتك دون أن تشعر.
تحية منطقية للباحثين عن المنطق
خالد ابراهيم...مدونة سور الأزبكية
http://khaled-ibrahim.blogspot.com

هناك 6 تعليقات:

غير معرف يقول...

تحية سيدي:
ويبدو أن عدوى وحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة قد انتقل إلى كتابنا ومفكرينا ، يستحيل ألا نجد مجتمعا ليس فيه طبقية حتى في عهد النبي عليه السلام كان هناك أهل الصفة وهم فقراء المدينة المعدمين وكان عثمان الثري قسمت ثروته بالفؤوس ، ولكن ما نبحث عنه اليوم هو العدل وتوزيع الثروة بحسب الجهد ..
ما نحتاجه نفضة حقيقية تنفض ثقافاتنا المتعفنة كالتسلط والفوقية والغرور ونكران الآخر والظلم والمحسوبية و ...و ...وكثير من آلاف المفردات التي أدمت نفوسنا الغارقة في عالم مجنون بالظلم والثروة والنكران ...
شكرا لك سيدي على تلك اللوعة التي اكتوت بها أرواحنا بعد حديثك عن الطبقية المفرطة في عالمنا الغارق في بحر من الظلم والظلمة....ونتمنى أن نستفيق قبل أن نغرق ويسعى المستضعفون ليكرروا ما فعله بوعزيزي

غير معرف يقول...

شكرا لك وتحية على موضوعك وقد قرأت أن عمر بن الخطاب بعث برسالة إلى عمرو بن العاص واليه في مصر ( بلغني أنك تتكئ في مجلسك ، اعتدل وإلا عزلتك ) حاسبه على الاتكاء في المجلس !!!!!!!!!
مي زيادة

Khaled Ibrahim يقول...

المبدعة الكريمة الأستاذة نبيلة أحمد
شرفت بهذا التعليق وهو إضافة رائعة للموضوع تدل على ثقافة عالية وقلب ممتلئ بالرحمة والعدل والإيمان بالحق
نعم سيدتى الطبقية وجدت فى احيان كثيرة لكن لم تكن مختلطة فى معظم الأحيان بالحياة بشكل فردى فلقد كان الغنياء يبنون فى مجتمعاتهم وكان لهم فكر مستنير ولم يقوموا على إذلال الفقراء
تحكى لى أمى أنها قديما كانت عندما تقوم هى أو الجيران بعمل الطعام كل جار كان يرسل لجاره مما لديه فكانت المائدة فى كل شارع تحتوى على أكثر من صنف وهذا يدل على التكافل وعدم الأنانية أما فى زماننا فبزنس إذ بزنس والمصيبة أن فى المعاملات الشخصية وليت البزنس فى بناء المجتمعات إقتصادي وعلميا
لم تصينى الدهشة من تصرف بيل جيتس وأغنياء أمريكا فى تسخير ثراوتهم لخدمة مجتمعاتهم لأن القناعة كنز لا يفنى
شكرا مبدعتنا الرائعة على مشاركتك الأكثر من رائعة
تقديرى واحترامى الدائم
خالد

Khaled Ibrahim يقول...

الأستاذة الرقيقة مى زايد
عمر بن الخطاب هو أحد أزمنة صنع التاريخ وهو نموذج مفكر وليس متدين فقط
لكن فى زماننا نحن فى حاجة لمعرفة اننا أمة لها تاريخ إنسانى لنسترجع إنسانيتنا
نحن فى حاجة للتعبير عن أنفسنا فى زماننا كما عبر من سبقونا
لازلنا ننتظر عمر وصلاح الدين وغيرها ونحن لم نفعل شيئا لتغيير واقعنا
صيبتنا فى الشعارات يافطات نرفعها ونحن فارغين من الداخل ومن الفكر
شكررا لحضورك القيم وعلى تقديم نماذج تذكرنا وتعيننا على محاولة تغيير أنفسنا
من المؤكد أن مى زايد لا تختلف كثيرا عن مى زيادة
أشكرك حتى الرضى
خالد

غير معرف يقول...

( قد تكون المساواة حقا من الحقوق،‏ ولكن ما من قوة على الارض يمكنها تحقيقها )
أونوريه دو بلزاك،‏ مفكر فرنسي .

( أول أحلامى ان نفهم انفسنا فنفكر ونتألم من أجلنا ثم نعرف قدر كرامتناونقرأ التاريخ ثم نحلم بالمزيد فهل نثور على أنفسنا من أجلنا ) .
خالد ابراهيم ، مفكر مصرى .

د. وائل

Khaled Ibrahim يقول...

صديقى الرائع د.وائل
أشكرك صديقى على هذه الثقة وعلى قوة الدفع التى تمنحنى لإيها
إنك حقا لصديق وحقا إنسان
تحية لقلمك الذى طالما أسعدنى
خالد ابراهيم